كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



التفسير: عن ابن عباس وأكثر المفسرين أن هذه القرون هم عاد قوم هود لمجيء قصتهم على أثر قصة نوح في غير هذا الموضع ولقوله تعالى في الأعراف {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} [الآية: 69] وقيل: إنهم ثمود لأنهم أهلكوا بالصيحة وقد قال الله تعالى في هذه القصة {فأخذتهم الصيحة} ومعنى {فأرسلنا فيهم} جعلناهم موضع إرسال وإلا فلفظة أرسل لا تعدى إلا بإلى وضمن الإرسال معنى القول ولهذا جيء بأن المفسرة اي قلنا لهم على لسان الرسول {اعبدوا الله} قال بعضهم: قوله: {افلا تتقون} غير موصول بما قبله وإنما قاله لهم بعد أن كذبوه وردّوا عليه الحجة. والجمهور على أنه موصول لأنه دعاهم إلى الله وحذرهم عقابه إن لم يقبلوا قوله ولم يتركوا عبادة الأوثان. قال جار الله: إنما قال في هذه السورة {وقال الملأ} بالواو وفي الأعراف {قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة} [الآية: 66] بغير واو ومثله ف سورة هود {قالوا يا هود جئتنا ببينة} [الآية: 53] لأنه بنى الأمر في ذينك الموضعين على تقدير سؤال سائل، وفي هذه السورة أراد أنه اجتمع في الحصول هذا الحق وهذا الباطل فعطف قولهم على قوله. وقال السكاكي صاحب المفتاح: إنما قدم الجار والمجرور أعني قوله: {من قومه} على وصف الملا وهم الذين كفروا لطول الصلة بالمعطوفات، ولأنه لو أخر لأوهم أن قوله: {من قومه} متعلق بـ الدنيا. ومعنى لقاء الآخرة لقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب. ومعنى {أترفناهم} أنعمناهم بحيث شغلوا بالدنيا عن الأخرى. وقوله: {مما تشربون} أي من الذي تشربونه فحذف الضمير أو حذف منه لدلالة ما قبله عليه. ثم أكدوا شبهتهم أن الرسول لا يكون من جنس البشر بقولهم {ولئن أطعتم} و{اذا} واقع في جزاء الشرط وجواب لقومهم اي إنكم إذا قبلتم قول مثلكم وأطعتموه خسرتم عقولكم وأبطلتم آراءكم إذ لا ترجيح لبعض البشر على بعض في معنى الدعوة إلى طريق مخصوص هذا بيان كفرهم. ثم بين تكذيبهم بلقاء الآخرة وطعنهم في الحشر بقوله: {أيعدكم} الآية. قال جار الله: ثنى {أنكم} للتوكيد وحسن ذلك الفصل بالظرف و{مخرجون} خبر الأول أو {أنكم مخرجون} مبتدأ معناه إخراجكم وخبره {إذا متم} والجملة خبر الأول أو {أنكم مخرجون} في تقدير وقع إخراجكم وهذه الجملة الفعلية جواب إذا والجملة الشرطية خبر الأول وفي حرف ابن مسعود {ايعدكم إذا متم} ثم أكدوا الاستفهام الإنكاري بقولهم {هيهات} ومعناه بعد وهو اسم هذا الفعل، وفي التكرير تأكيد آخر وكذا في إضمار الفاعل وتبيينه بقوله: {لما توعدون} قال جار الله: اللام لبيان المستبعد ما هو بعد التصويت بكلمة الاستبعاد كما جاءت اللام في {هيت لك} [يوسف: 23] لبيان المهيت به. وقال الزجاج: هو في تقدير المصدر أي البعد لما توعدون أو بعد لما توعدون فيمن نون. ثم بين إترافهم بأنهم قالوا {إن هي إلا حياتنا} أي إلا هذه الحياة لأن أن النافية دخلت على هي العائدة إلى الحقيقة الذهنية فنفت ما بعدها نفي الجنس، وقد مر في الأنعام. وإنما زيد في هذه السورة قوله: {نموت ونحيا} لأن هذه الزيادة لعلها وقعت في كلام هؤلاء دون كلام أولئك ولم يريدوا بهذا الكلام أنفس المتكلمين وحدهم بل أرادوا أنه يموت بعض ويولد بعض وينقرض قرن ويأتي قرن آخر، ولو أنهم اعتقدوا أنهم يحيون بعد الموت لم يتوجه عليهم ذم ولناقضه قولهم {وما نحن بمبعوثين}. ثم حكى أنهم زعموا أن كل ما يدعيه هود من الاستنباء وحديث البعث وغيره افتراء على الله وأنهم لا يصدقونه ألبتة فلا جرم {قال} هو داعيًا عليهم كما دعا نوح على قومه {رب انصرني بما كذبون} قال الله مجيبًا له أي عما زمان قليل قصير {ليصبحن} جعل صيرورتهم {نادمين} دليلًا على إهلاكهم لأنه علم أنهم لا يندمون إلا عند ظهور سلطان العذاب ووقوع أماراته وذلك وقت إيمان الياس.
وزيادة ما لتوكيد قصر المدة و{الصيحة} صيحة جبريل كما سلف في الأعراف وفي هود ومعنى {بالحق} بالعدل كقولك فلان يقضي بالحق وعلى اصول الاعتزال بالوجوب لأنهم قد استوجبوا الهلاك. والغثاء حميل السيل مما بلي واسودَّ من الأوراق واليعدان وغيرها، شبههم بذلك في دمارهم واحتقارهم أو في قلة الاعتناء بهم، وفي ضمن ذلك تشبيه استيلاء العذاب عليهم باستيلاء السيل على الغثاء يقلبه كيف يشاء. ثم دعا عليه بالهلاك في الدارين بقوله: {فبعدًا للقوم الظالمين} كما مر في سورة هود. وفيه وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلًا عليهم بالظلم وعرف الظالمين لكونهم مذكورين صريحًا بخلاف ما يجيء من قوله: {فبعدًا لقوم لا يؤمنون} لأنهم غير مذكورين إلا بطريق الإجمال وذلك قوله: {ثم أنشأنا من بعدهم قرونًا آخرين} والظاهر أنهم قوم صالح ولوط وشعيب كما ورد في قصصهم على هذا الترتيب في الأعراف وفي هود وغيرهما. وعن ابن عباس أنهم بنو اسرائيل. والمعنى إنا بعد ما أخلينا الديار من المكلفين أنشأناهم وبلغناهم حد التكليف حتى قاموا مقام من كانوا قبلهم. ثم بين كمال علمه وقدرته في شأن المكلفين بقوله: {ما تسبق من أمة} اي كل طائفة مجتمعة في قرن لها آجال مكتوبة في الحياة وفي الموت بالهلاك أو الإهلاك، لا يتقدمها ولا يتأخر عنها، وفي أن المقتول ميت بأجله. وقال الكعبي: معنى الاية أنهم لا يتقدمون وقت عذابهم إن لم يؤمنوا، ولا يتأخرون عنه ولا يستأصلهم إلا إذا علم منهم أنهم لا يزدادون إلا عنادًا، وأنهم لا يلدون مؤمنًا، وأنه لا نفع في بقائهم لغيرهم ولا ضرر على أحد في هلاكهم. ثم بين أن رسل الله كانوا بعد هذه القرون متواترين وأن شأنهم في التكذيب كان واحدًا، وكانت سنة الله فيهم باتباع بعضهم بعضًا في الإهلاك. والتاء في {تترى} بدل من الواو في الوتر وهو الفرد أي أرسلناهم واحدًا بعد واحد، والرسول يلابس المسرل والمرسل إليه جميعًا فلذلك جاء في القرآن {رسلنا} و{رسلهم} و{رسولها} وأحاديث يكون اسم جمع للحديث أو جمعًا له من غير لفظة، ومنه أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ويكون جمعًا للأحدوثة من لفظها كالأضحوكة والأعجوبة وهو المراد من الآية أي جعلناهم أخبارًا يسمعونها ويتعجب منها لأنهم استؤصلوا فلم يبق فيهم عين ولا أثر سوى الحكاية. ثم ذكر طرفًا من قصة موسى عليه السلام. عن الحسن {بآياتنا} أي بديننا كيلا يلزم منه تكرار لأن السلطان المبين هو المعجز، والأقرب قول ابن عباس أنها الآيات التسع لأن الآيات عند ذكر الرسل يراد بها المعجزات في عرف القرآن، والسلطان هو العصا لأنها كانت أم آياته وأقدمها فخصت بالذكر لشرفها وقوة دلالتها.
ويجوز أن يراد أنها آيات في أنفسها وحجة بينة بالنسبة إلى المتحدين بها، او يراد به تسلط موسى عليه السلام في الاستدلال على الصانع وأنه ما كان يقيم لهم وزنًا. ثم حكى عن فرعون وقومه صفتهم وشبهتهم. أما الصفة فهي الاستكبار والعلو أي طلبوا الكبر وتكلفوه واستنكفوا عن قبول الحق وكانوا مع ذلك رفيعي الحال في أمور الدنيا غالبين قاهرين مستظهرين بالعدد والعدد، وأما الشبهة فهي إنكار كون الرسول من جنس البشر ولا سيما إذا كان قومهما وهم بنو إسرائيل خدمًا وعيبدًا لهم. قال أبو عبيدة: العرب تسمي كل من دان لملك عابدًا له، ويحتمل أن يقال: إنه كان يدعي الإلهية فادعى للناس العبادة وإن طاعتهم عبادة على الحقيقة والبشر يقع على الواحد وعلى الجمع. والمثل يوصف به الاثنان والجمع والمذكر والمؤنث. ويقال أيضًا: هما مثلاه وهم أمثاله. ثم بين أنه لما خطرت هذه الشبهة ببالهم صرحوا بالتكذيب فأهلكوا لذلك وكانوا في حكم الله وعلمه كذلك. ثم حكى ما جرى على قوم موسى بعد إهلاك عدوهم {ولقد آتينا موسى الكتاب} أي التوراة {لعلهم يهتدون} ومن الناس من ظن أن هذا الضمير راجع إلى فرعون وملئه. والمعنى أنه خص موسى بالكتب لا للتكذيب ولكن يهتدوا به، فلما أصروا على الكفر مع البيان العظيم استحقوا الإهلاك وهو وهم لأن موسى لم يؤت التوراة إلا بعد إهلاك القبط بدليل قوله: {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى} [القصص: 43] وفي قوله في أول البقرة {وإذ نجيناكم من آل فرعون} إلى قوله: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} [الآية: 51] والقصة مشهورة. فالصحيح أنه ذكر موسى وأراد قومه كما يقال هاشم وثقيف ويراد قومهم نظيره {على خوف من فرعون وملئهم} [يونس: 83] وقد مر في آخر يونس.
ثم أجمل قصة عيسى بقوله: {وجعلنا ابن مريم وأمه آية} وقد مر بيانه في آخر الأنبياء في قوله: {وجعلناها وابنها آية للعالمين} [الآية: 91] قال جار الله: لو قيل آيتين لجاز لأن مريم ولدت من غير مسيس، وعيسى روح من الله ألقى إليها وقد تكلم في المهد وكان يحيى الموتى مع معجزات أخر. واللفظ محتمل للتثنية على تقدير: وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية ثم حذفت الأولى لدلالة الثانية عليها. والأقرب حمل اللفظ على وجه الذي لا يتم إلا بمجموعها وهو الولادة على الوجه العجيب الناقص للعادة. والربوة بحركات الراء هي الأرض المرتفعة.
عن كعب وقتادة وأبي العالية: هي إيليا أرض بيت المقدس وأنها كبد الأرض وأقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلًا. وعن الحسن: فلسطين والرملة. ومثله عن أبي هريرة قال: إلزموا هذه الرملة رملة فلسطين فإنها الربوة التي ذكرها الله. وقال الكلبي وابن زيد: هي مصر. والأكثرون على أنها دمشق وغوطتها والقرار المستقر من أرض منبسطة مستوية. وعن قتادة: أراد ذات ثمار وماء يعني لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها والمعين الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض من عانه إذا أدركه بعينه فوزنه معيون على مفعول وقال الفراء والزجاج: إن شئت جعلته فعيلًا من الماعون وهو ما سهل على معطيه من أثاث البيت ومثله قول أبي علي: المعين السهل الذي ينقاد ولا يتعاصى. وقال جار الله: ووجه من جعله فعيلًا أنه نفاع لظهوره وجريه من الماعون وهو المنفعة. قال المفسرون: سبب الإيواء أنها قرت بابنها عيسى إلى الربوة وبقيت بها اثنتي عشرة سنة، وإنما ذهب بها ابن عمها يوسف ثم رجعت غلى أهلها بعد ما مات ملكهم. قوله سبحانه {يا ايها الرسل} ليس على ظاهره لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة وفي تأويله وجوه: أحدها الإعلام بأن كل رسول في زمانه نودي بذلك ووصى به ليعتقد السامع أن أمرًا نودي له جميع الرسل حقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه، ويؤيد هذا التأويل ما روي عن أم عبد الله أخت شداد بن أوس أنها بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح من لبن في شدة الحر عند فطره صلى الله عليه وسلم وهو صائم فرده الرسول إليها وقال: من اين لك هذا؟ فقالت: من شاة لي ثم رده وقال: من أين هذه الشاة؟ فقالت: اشتريتها بمالي فأخذه. ثم إنها جاءته وقالت: يا رسول الله لم رددته؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «بذلك أمرت الرسل أن لا تأكل إلا طيبًا ولا تعمل إلا صالحًا» وثانيها وهو قول محمد بن جرير أن المراد به عيسى وقد خاطب الواحد خطاب الجمع لشرفه وكقوله: {الذين قال لهم الناس} [آل عمران: 173] والمراد نعيم بن مسعود. ووقع هذا الإعلام عند إيواء عيسى ومريم إلى الربوة فذكر على سبيل الحكاية أي آويناهما وقلنا لهما هذا أي أعلمناهما أن الرسل كلهم خوطبوا بهذا الكلام، فكلا مما رزقناكما واعملا عملًا صالحًا اقتداء بالرسل. وثالثها وهو الأظهر عندي أن المراد نبينا صلى الله عليه وسلم لأنه ذكر ذلك بعد انقضاء أخبار الرسل. ووجه اتصال الكلام بما بعده ظاهر كما نقرره، ووجه اتصاله بما قبله هو انتهاء الكلام إلى ذكر المستلذ وبالحقيقة المراد به الأمة كقوله: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} [الطلاق: 1] والطيب ما يستطاب ويستلذ من المآكل والفواكه أو هو الحلال. وقيل: طيبات الرزق حلال لا يعصى الله فيه، وصاف لا ينسى الله فيه، وقوام يمسك النفس ويحفظ العقل. وفي تقديم الأكل من الطيبات على الأمر بالعمل الصالح دليل على أن العمل الصالح لابد أن يكون مسبوقًا بأكل الحلال. وفي قوله: {إني بما تعملون عليم} تحذير من مخالفة هذا الأمر. وقال في سورة سبأ {إني بما تعملون بصير} [الآية: 11] وكلاهما من أسمائه تعالى إلا أنه ورد هاهنا على الأصل لأن العلم أعلم وهناك راعى الفاصلة أو خصص لأن الخطاب مخصوص بآل داود.
ومن قرأ {وإن} بالكسر فعلى الاستئناف، ومن قرأ بالفتح مخففًا ومشددًا فعلى حذف لام التعليل والمعلل {فاتقون} ثم من قال: الخطاب لجميع الرسل فالمشار إليه بهذه هو أصول الأديان والشرائع التي لا خلاف فيها بين الرسل وجملتها تقوى الله كما ختم به الآية. والضمير في {تقطعوا} راجع إلى أممهم. قال الكلبي ومقاتل والضحاك: يعني مشركي مكة والمجوس واليهود والنصارى. ومن قال: الخطاب لعيسى فهذه إشارة إلى ملته في وقتها. وعلى القول الأظهر بل على جميع الأقوال المشار إليه ملة الإسلام كما مر مثله في آخر سورة الأنبياء، كأنه أمر هناك بالعبادة التي هي أعم ثم أمر بالتقوى التي هي أخص ولهذا قال: {فتقطعوا} بالفاء ليتوجه الذم أتم فإن المأتي به كلما كان أبعد من المأمور به كان سبب الذم اقوى، فلا يكون ترتيب التقطع على التقوى كترتبه على العبادة ولهذا أكد التقطع بقوله: {زبرًا} بضم الباء جمع زبور اي حال كونه كتبًا مختلفة يعني جعلوا دينهم أديانًا ومذاهب شتى. ومنقرأ بفتح الباء فمعناه قطعًا استعيرت من زبر الفضة والحديد. ثم أكد الذم بقوله: {كل حزب بما} اي كل فريق منهم مغتبط بما اتخذه دينًا لنفسه معجب به يرى أنه المحق الرابح وغيره المبطل الخاسر. ثم بالغ في الذم والتهديد بقوله: {فذرهم في غمرتهم} وهذا الأمر مما يدل على أن المخاطب بقوله: {يا أيها الرسل} هو نبينا صلى الله عليه وسلم وقد يطلق لفظ الجاعة على الواحد تعظيمًا وتفخيمًا كقوله: {إنّ إبراهيم كان أمة} [النحل: 120] والغمرة الماء الذي يغمر القامة. قال جار الله: ضربت مثلًا لما هم مغمورون فيه من جهلهم وغايتهم، أو شبهوا باللاعبين في غمرة الماء لما هم عليه من الباطل. قلت: وأنت إذا تأملت فيما أسلفنا لك في المقدمة التاسعة من مقدمات الكتاب عرفت الفرق بين الوجهين. قال في الكشاف {إلى حين} أي إلى أن يقتلوا أو يموتوا. والتحقيق أنه الحالة التي يظهر عندها الحسرة والندامة وذلك إذا عرّفهم الله بطلان ما كانوا عليه وعرّفهم سوء منقلبهم فيشمل الموت والقبر والمحاسبة والنار، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونهي عن الجزع من تأخير عقابهم.
ثم إن القوم كانوا أصحاب نعمة ورفاهية فبين الله تعالى أن ذلك الذي جعله مددًا لهم وهو المال والبنون سبب لاستدراجهم إلى زيادة الإثم نظيره في آل عمران {إنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا} [الآية: 178] وما في {أنما} موصولة والرابط محذوف أي نسارع لهم فيه. وفي قوله: {بل لا يشعرون} أنهم اشباه البهائم لا فطنة لهم ولا شعور حتى يتفكروا أهو استدراج أم مسارعة في الخبر. وفيه انه سبحانه أعطاهم هذه النعم ليكونوا متمكنين بها من الاشتغال بطلب الحق وحين أعرضوا عن الحق كان لزوم الحجة عليهم أقوى. اهـ.